هذه القصة صارت مع ابن جارنا وبالاصح ابو الولد ابن خال بابا
أمجد شملخ فتى في مقتبل العمر أخلاقه تلامس السحاب محبوب من والديه وأسرته وأقاربه كتب له حظ الحياة بعد طول معاناة، طوت خلالها الليالي صفحة أليمة، وألقت بها في غياهب الزمن.
فأوراق المستقبل بدأت تنبت بعدما كادت أن تسقط حلم أمجد بأن يصبح مهندساً معماريا فالعزيمة والتحدي والإصرار سمات بارزة في شخصيته مكنته من التغلب علي مرض أقعده الفراش.
فالفتي أمجد شملخ يدرس في الصف الثاني الإعدادي - يسكن في غزة، ويعيش في أسرة فقيرة لايساعدها أحد مكونه من 10 أفراد.
أصيب باختناق غاز يستخدم بالتدفئة في تربية الدواجن أدي إلي توقف في القلب وشلل رباعي أصاب جميع أركانه أدخل علي أثره في غيبوبة بقي خلالها طريحا للفراش، والحالة ميئوس منها حسب إفادة الأطباء للأهل.
عظمة الخالق وقدرته ومشيئته وإيمان الأهل بالله وجهود فرق وكوادر التأهيل الطبي في مستشفى الوفاء للتأهيل الطبي والجراحة التخصصية في- غزة - عادت بأمجد بعد الشلل وفقدان الوعي إلي بهجة الحياة.
ليلة حزينة
بلسان متلعثم قال لنا والد أمجد أنه قبل الحادثة ذهب أمجد مع عمه وابن عمه المتوفى في الحادثة إلي بيت تربية الدواجن وهو مكان الإصابة و هي المرة الأولي التي يذهب بها إلي هناك فشغف الأطفال وحبهم للفضول يدفعهم لذلك. ثم بقيا لوحدهما بعد مكوث عمه عندهم لفترة وجيزة.
وتابع قائلا: أن أبا محمود أخي عم أمجد الذي تركهم بعدما قضى وقتا معهم أراد في تمام الساعة الـ10م الاتصال بهم ليطمئن عليهم وبعد أن اطمئن قلبه عليهما أغلق الهاتف وبقى في البيت. ثم حاول مرة أخري الـساعة 11م فلم تكن الإجابة منهما فتركهم كما قال علي حالهم ظناً منه أنهم في نوم عميق.
وأضاف الوالد بكلمات حزينة كئيبة أنه عندما وصل إلي بيت الدواجن الساعة الـ11 ليلاً بعد رجوعه من عمله هم بأن يطرق الباب عليهما ولكن شيئاً ما منعه فوقف عاجزا عن طرق الباب فتركهم نائمين ولم يكن يريد أن يزعجهم فذهب للنوم. وهنا انتهت آخر جملة لتبدأ الصدمة الكبيرة.
أقسى اللحظات وأصعبها
وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر ففي الثالث عشر من يناير من العام 2011 - كم كانت قاسية جداً تلك اللحظات والدقائق والساعات التي مرت علي الأسرة، والعائلة كدهور طويلة المدى لهول المصاب.
وبصوت يدمع العيون قالت لنا الوالدة أم أمجد أنه في الصباح وفي تمام الساعة 6:30 ذهب (الطفل علي) أخ أمجد إلي المكان (بيت الدواجن)وبينما اقترب من المكان الذي خيم عليه الهدوء وذلك لإيقاظ أمجد للمدرسة وابن عمه المتوفي لدروس قيادة السيارة.
هنا ودمعة الحزن قد انحدرت من عينيها وتوقفت عن الكلام -هدأت بعض الشيء وأخذت تروي لنا الأم أنه بعد فتح الباب اقترب منهما فإذا بالمكان رائحة الموت تنبعث منه فمحمود كان جثة هامدة تنزف منه الدماء من الفم والأذن وأمجد كان جالساً في حالة تصلب وتيبس من شدة التسمم حيث كان في حالة موت بعدما حاولا طوال الليل الحركة لينقذا نفسيهما.
وبعيون غرقت بالدموع أكملت قائلة أنه من شدة الصدمة ذهب من المكان مسرعا "علي" فوجد عمه بمقابلته وهنا حيث الأحداث بدأت تتسارع والفوضى عمت المكان وتعالت صرخات البكاء والحزن و الاستغاثة، تم نقل الجسدين إلي مستشفى الهلال فبعد التقييم الأولي أبقوا محمود المتوفي في الهلال ونقلوا أمجد إلي مستشفى الشفاء بعدما ظنوا أنه في حالة موت في بادئ الأمر.
حالة ميئوس منها
وبكلمات ما زالت تتردد في أذنها أضافت الوالدة قائلةً أن الأطباء في قطاع غزة وداخل فلسطين المحتلة أراضي 48 حسب التقارير المتبادلة بينهما ورفض المشافي داخل أراضي 48 استقبال الحالة لصعوبتها واصفيها بالميئوس منها، وحتى لو عاش قالوا أيضا سوف يقضي حياته معاقا وغير قادر علي الحركة.
حيث بقي أمجد لمدة 30 يوم بالعناية المركزة وبغيبوبة دائمة في مشفى الشفاء مما أدخل الأسرة والعائلة في معاناة شديدة فوق ألم الفراق حيث مكث في الشفاء وكان يعاني من غيبوبة دائمة وشلل رباعي ويتنفس بواسطة أنبوب رغامي ويتغذي عن طريق أنبوب معدي وكانت درجة الوعي لديه بمقياس جلاسيكو 7/15 وقد كان معتمد اعتماد كلي في نشاطات حياتة اليومية علي الآخرين قبل أن تمر الأيام ويتم إعادته إلي مشفى الوفاء بغزة وهنا بدأت الرائحة العطرية للشفاء تهب في 1/2/2011.
جهد مخلص
ومن خلال حوارنا مع المدير الطبي في مستشفى الوفاء الدكتور حميد أبو موسى قال أنه ومنذ وصول أمجد إلي الوفاء في الأول من فبراير أوصى له الفريق الطبي بأن يركب له أنبوب رغامي في مشفى الشفاء بتاريخ 7/2 إلي أن قرر إعادة المريض إلى مشفى الوفاء بغزة بتاريخ 16/2/2011 وهنا رسمت لوحة بروازها العمل بإخلاص وعنوانها النجاح.
نقاط مضيئة
وبكلمات تعطي الأمل في نفوس البشر حيث أكمل حميد قائلا أنه ومنذ دخول الحالة في 16/2/2011 تم وضع خطة تحمل أبعاد ثلاثة هي الثقة بالله وإرادة أمجد وجهود الكوارد العاملة.
حيث تلقي الفتى برنامج تأهيلي شامل تحت إشراف رئيس فريق التأهيل الطبي الدكتور خميس الإسي شمل الخدمات الطبية والتمريضية والعلاج الطبيعي والوظيفي والدعم النفسي والاجتماعي.
ولفت حميد قائلا أنه وخلال فترة علاجه تم الاستغناء عن الأنبوب الرغامي والمعدي وأصبح الطفل يتنفس عن طريق الأنف ويتغذي عن طريق الفم وأصبح في النهاية بعد العناية المستمرة من قبل كوادر وفرق التأهيل الطبي يتحدث بشكل كامل ويحرك أطرافه الأربعة بسهولة وبدون إعاقات أو مساعدة أحد، ومعتمدا علي نفسه في أنشطته الحياتية اليومية بشكل مستقل، لافتا إلى أن قوة العضلات أصبحت 5/5 معتبراً ذلك بالنجاح الباهر لتلك الحالة.
صدى الإيمان
شعور لا يوصف سبحان الله بعد عودته إلي البيت أحيا فرحة لا تقدر ولا توصف كلمات عبرت عنها الأم والسعادة ترتسم علي وجهها.
فيما تابع الوالد قائلا أن الفرحة أصبحت سفيرة لنا في كل العائلة بعد عودة أمجد وفراق الأحبة مضيفا علي أنهم كانوا يتعاملون مع هذه المحنة بالصبر والثبات والرضا بالقضاء والقدر والشكر والحمد لله على كل نعمة.
وبقلب مؤمنٌ بقضاء الله أضافت أم إبراهيم عمة أمجد التي واكبت الحدث قائلة أننا مثلما أتينا إلى هذه الدنيا بإرادة ليست لنا فإن الهموم والمحن قد أتتنا بإرادة ليست لنا وسنرحل عن الدنيا بدون مشاكلنا وهمومنا فنحن سلمنا لأمر الله منذ البداية رغم الألم .
وبأجمل العبارات قدم الأهل شكرهم لإدارة مستشفى الوفاء ولفريق وكوادر التأهيل الطبي والقائمين علي علاج ابنهم قائلين أنهم مهما تحدثوا فإنهم لن يوفوهم حقهم بشكل كامل مضيفين علي أن ما لاقيناه من عناية ورعاية جعلتهم يشعرون وكأنهم في بيتهم الثاني فالفريق مثالي وأسرة واحدة وأخوة مترابطين في العمل مكنتهم من حفر مكانه لهم في قلوبنا.
لحن النجاح
تأمل قليلا ثم ابتسم كثيرا وبدأ يعزف لحن النجاح بعدما عاد إلي طبيعته بتاريخ 5/4/2011م وبشكل كامل ويحرك كل أطرافه قائلا (الفتى أمجد) أن الزيارات والحب والاهتمام الذي لاقاه من أسرته وعائلته وفرق وكوادر التأهيل الطبي في مشفى الوفاء في أوقات ألمه له دور في مثوله للشفاء، وهذا ما منحه رصيداً قوياً قاده إلي تحقيق النجاح والتغلب علي الصعاب التي واجهها مؤكدا علي أن حلمه الواعد الذي سوف يعمل على تحقيقه من الآن فصاعد هو أن يصبح مهندسا معماريا.
فأمجد الذي حمد الله كثيرا علي نعمة الشفاء قدم شكره إلي الأيادي البيضاء التي امتدت إليه في مستشفى الوفاء بغزة من كوادر وفرق تأهيل طبي عامله مؤكدا علي أنهم لم يقصروا معه منذ دخوله للعلاج وحتى مثوله للشفاء.
صفة راقيه
هنا بعدما عزف القدر لحن الفراق بفقدانه لابن عمه الذي عاش ولعب معه. أمجد الذي حمل صفة العزيمة والإصرار والثقة بالله منذ أن دخل في مصابه تمكن أخيرا من عزف معزوفة النجاح ويحول أقسي لحظاته إلي أسعدها في ليلة السفر التي مر بها وصعدت بها روح ابن عمه إلي خالقها حيث تعداها بكل صبر وحمل من خلالها الوفا لابن عمه الذي فارقه حاملا بيت الشعر الذي يقول:
ولا تجـــــــزع لحادثة الليالي .. فما لحـــوادث الدنيا بقـــــاء
وان لم نلتقي فوق الثرى .. فموعدنا بجنة رب السماء