ولنقرأ هذه القصّة التي يحكِيها أحدُ المشائخ : عن رجل يعمل في خدمة الموظفين في وزارة ..
يتعرّضُ يومياً للانتقادِ والشّتمِ منهم ومن المُديرِ أحياناً
ويعودُ لبيتهِ وقبل أن يُغمضَ عينيهِ .. يتذكّر ما حدث من هذا وذاك
فيقول صادقاً من قلبه : سامحتهم لله .. ويفاجأ في اليوم التّالي بأنّ من أساءَ له ينتظره على باب الوزارة ليقول له :
سامحنِي على ما بدر منّي أمس !
يقول باستغراب : وما الذّي حدث ؟ ( ينسى ما بدر منهُم لصدقِ عفوِهِ عنهُم )
ولكنّ مشكلته بأنّهم يقولون عنه : أهبل ، غبي ، طيّب زيادة عن اللزوم ..
فيسأل الشّيخَ هل أنا فعلاً أهبل وغبي ؟
أو لسنا نسمع مثل هذه الكلمة كثيراً : أهبل ، طيب زيادة ، عبيط ، على نيّاته ..
إلى آخر هذه الكلمات بكلّ الألفاظ واللهجات ..
هل هو كذلك حقّاً ؟
هل أصبحت فعلاً هذه الصفة صفةُ نقصٍ في زمننا هذا ؟
سبحان الله .. هل نعلم ما هي مشكلتنا ؟
مشكلتنا أننا لم نتعلّم عن الله .. لأنّنا كلما تعلّمنا عن الله عرفنا حقائقاً لم نكن نعرفها من قبل ..
ولكي نفهم هذه النقطة فلنتأمّل حال المجتمع الذي نعيش فيه ..
نرى كثيراً من الناس يمارسون الخداع ويعتبرون أن الذّي لا يخادع مغلوب على أمره وضعيف ومسكين و غبي و .. و ..
وقد نرى أنّ صفة الضعف هذه صفة سلبية مذمومة تحتاج لإصلاحٍ وتغيّيرٍ ونحاول أن نغيّرها حتّى لا يظلمنا أحدٌ أو يسخر منّا أو ..
ولكن لو تعلّمنا عن الله لعرفنا أنّ هذه الصّفة ليست مذمومة وإنّما هي صفة ممدوحة ..
بدليل حديث النّبي صلى الله عليه وسلّم عن أبي هريرة ( المؤمنُ غِرٌّ كريم ، والفاجر خِبٌّ لئيم ) حديث حسن
فمن مصلحة الإنسان أن يكون صافي القلب ليس عندهُ سوءُ ظنٍّ بأحد ..
وحتّى لو أكلوا حقوقه يكون على ثقةٍ بربّه أنّ الله يدافع عن الذّين آمنوا ..
عندها سيضع كلّ أحماله على باب ربّه ويعلم أنّ الله هو الذي سيأتي بحقّه إليه وسيردّ عنه من حيث لا يحتسب
ويعلم أنّ الله يُدافِع عن الذّين آمنوا,
فيضع حَمله كلّهُ عند بابه ويفهم أنّه ليس هو من سيأتي لِنفسه بحقّه ،
وأنّ اللهَ هو الذّي يأتي له بحقّه ويردّ عنه من حيث لايحتسب ،
فيعيشُ صافي القلب حسنَ الظّنّ باللهِ وبخلقهِ ،
وهو مشغولٌ بما يجبُ أن يعيش من أجله من طلبٍ لرضا الله والتّعلّقُ
به وحسن ُالظّنّ فيه وحسن الظّنّ بالمسلمين
فالمؤمن غرٌ كريم ، وهذه من وصوفات الكمال لكنّ المجتمع يجدُ أنّها من وصوفات النّقص،
وعندما نتعلّم عن الله سنفهم أنّ هذه صفةُ كمالٍ وليست صفةُ نقصٍ فينا ..
وقال ابن القيم ( والفرق بين سلامة القلب والبله والتغفل
أن سلامة القلب تكون من عدم إرادة الشّر بعد معرفته فيسلم قلبه من إرادته وقصده
لا من معرفته والعلم به وهذا بخلاف البله والغفلة فإنها جهل وقلة معرفة
وهذا لا يحمد إذ هو نقصٌ وإنما يحمدُ الناس من هو كذلك لسلامتهم منه والكمال أن يكون القلب عارفاً بتفاصيل الشّر سليماً من إرادته )
قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه ( لست بخبّ ، ولا يخدعني الخبّ )
ولنتأمل قي أحوالنا وحياتنا حتى نرى كم هي تلك الأشياء التّي تثير الأحقاد في النّفوس ونحن لا نشعر !
يتبع