قبل شهرين تقريبا من حرب الفرقان.. التي شنتها قوات الاحتلال الصهيوني على قطاع عام 2008م.. اتصل بي شخص أعرفه جيداً.. طلب مني أن ألتقيه في أي مكان أحدده أنا..
فعنده مشكلة يريد أن يفضفض بها إليّ.. قلت له: لا بأس ممكن أن ألتقيك في مكان قريب من ميدان فلسطين ما يعرف بالساحة.. مكان مشرف على حيّ الزيتون بغزة.. اتفقنا على الموعد والمكان.. ثم التقاني.. عرفته الصراحة قبل هذا اللقاء شابا طموحا خلوقا مهذبا إلى أبعد حدود.. يتوهج حيوية ونشاطا..
لكني يوم التقيته.. كان كئيبا حزينا مهموما مكروبا.. قلت له: فضض ما الذي دهاك.. ما سر هذا التحول ؟! قال: فتاة وقع حبها في قلبي.. والله ما راسلتها ولا كلمتها.. وما جرى بيني وبينها حرام قط.. أعرفها ولا تعرفني..
لما وقع حبها في قلبي.. لملمت أمري.. وجمعت مهراً.. ذهبت لخطبتها ولا شيء ينقصني.. ولكن للأسف ردني أهلها.. وهذا سر ما ترى بي من هم.
حاولت أن أخفف عنه وأن أصبره.. وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن.. وأخذت أذكره.. وأحياناً المسلم قد يكون بنفسه ضعيفا قويا بغيره.. على كل تصبر قليلاً.. شكرني.. ثم غادر المكان..
بعد أسبوع وإذ به يتصل.. قلت: بشرني.. إن شاء الله تحسنت نفسيتك ؟ قال: بل أنا والله في قمة الإحباط.. واليأس قد تمكن مني.. قلت خيرا.. قال: التقيك وأخبرك.. التقيته مرة ثانية: فوجدته في حال أشد من التي كان عليها في أول لقاء..
قال: سأخبرك بالذي أزعجني ووصل بي إلى هذا الحد.. لقد خطب الفتاة التي كنت أتمنى أن تكون زوجة لي.. خطبها أعز الناس على قلبي.. وقد وافق أهلها عليه والزِّفاف بعد أسبوعين..
قلت : لا حول ولا قوة إلا بالله.. اصبر يا أخي واحتسب قدر الله وما شاء فعل.. وكلمته بكلام طويل.. وما كنت أملك غير كلام التثبيت والصبر.. ثم ختمت كلامي بقول الله: " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم "..
فصاح بي: وأين الخير من وراء ما حدثتك ؟! أقول لك: الفتاة التي أحب خطبها أعز الناس على قلبي.. وزِفافها بعد أسبوع من الآن.. وتقول لي: " وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ".. أين الخير في هذا ؟!
قلت له: اتق الله.. فإن الله لا يسأل عما يفعل وهو يسألون.. ولعل الأيام القادمة بإذن الله تأتيك بالأخبار ما لم تزود.. وما كنت تراه شرا.. ستحمد الله تعالى أن أظهر لك خيره.. طأطأ الشاب رأسه وسكت.. اعتذر وانطلق..
وبعد مضي قرابة شهر من الحادثة على ما أذكر.. وإذ بهاتفي النقال اسمع رنينه.. فتحت الخط.. وإذ بنفس الشاب وهو يقول بخضوع: اعتذر لك.. والله الذي لا إله إلا هو لقد اتضحت لي الحكمة من قضاء الله تعالى بألا تكون فلانة زوجة لي..
وأنا فعلا قد نكره شيئا حصل ونظنه شرا لنا.. ثم يظهر الله الخير لنا والحكمة من وقوع ما كنا نظنه شرا.. قلت له: خير إن شاء الله..
قال: والله فلانة التي كنت أتمنى أن تكون زوجة لي.. تزوجت من صاحبي.. وبعد مضي ثلاثة أيام.. شعرت بصاع عنيف يكتنف رأسها ثم سقطت أرضا.. نقلوها إلى المستشفى.. وإذ بالتحاليل تظهر.. فلانة.. السرطان اجتاح جسدها كله..
قلت له: اسأل الله العافية يا رجل.. سبحان الله.. أرأيت يا أخي.. كان من الممكن أن تسعد بها ثلاثة أيام.. ثم تعيش باقي حياتك مع امرأة مسرطنة
فقال بخضوع: اسأل الله أن يشفيها.. والحمد لله.. فعلا: وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.. لذا أخي اصبر واحتسب.. فعسى ما كرهته بالأمس ترى خيره اليوم أو غداً.