اعتاد صلاح وعلي دائماً أن يقضيا بقية اليوم بعد المدرسة في منزل أحدهما فيقومان بالانتهاء من واجباتهما المدرسية ثم قضاء باقي الوقت في اللعب سوياً ولا يفترقان إلا عند وقت النوم فقط، فينام كل واحد في منزله ثم يتقابلان في الصباح أمام باب المنزل ليذهبا سويا إلى المدرسة حيث أنهما كانا جيران..
كانت الصداقة بين علي وصلاح قوية جداً، وكان كل واحد منهما يحب الآخر جداً ولا يتخيل أن يمر يوماً دون أن يقضيه مع صديقه.
وعندما أتم صلاح حفظ جزءاً من أجزاء القرآن الكريم، أقامت والدته حفلة صغيرة ودعت فيها علي وبقية أصحاب صلاح، وكانت حفلة جميلة استمتع فيها صلاح وعلي مع أصدقائهما باللعب وبتورتة الاحتفال.
وبعد انتهاء الحفلة، جلس علي مع صلاح وهو يفتح الهدايا التي قدمها له الأصدقاء، وقد كانت هدايا جميلة بالفعل ولكن أكثر ما لفت نظر الاثنين هو قطار كهربائي كبير يمشي على قضبان ويقف في محطات صغيرة..
تحمس الاثنان للعب بذلك القطار ولكن في هذه اللحظة دخلت والدة صلاح وأخبرت علي بأن والدته اتصلت لاستدعائه للعودة للمنزل لأن ميعاد النوم قد حان..
ودع علي صلاح ووالدته بعد أن وعده صلاح بأن يعودا للعب بالقطار في اليوم التالي بعد المدرسة..
مر اليوم التالي في المدرسة بطيئا أو هكذا ظن كل من صلاح وعلي فقد كان الاثنين يحلمان بالعودة لمنزل صلاح واللعب بالقطار.
وفور عودتهما إلى المنزل دخلا إلى حجرة صلاح وبحثا بين الهدايا عن القطار، ووجده على في وسط الهدايا..
قال صلاح: "أخرجه يا علي لنلعب به"
أخرج علي العلبة التي تحتوي على القطار وبدأ في إخراجه منها ولكن بينما هو يحاول إخراجه سقط منه على الأرض..
نظر الاثنان فوجدا القطار وقد تحطم نتيجة لسقوطه على الأرض..
شعر علي بالإحراج الشديد، وأراد أن يعتذر لصلاح عن هذه الغلطة الغير مقصودة ولكن صلاح لم يعطه أي فرصة، وقال له وهو في غاية الغضب: "هذا قطاري الذي كنت أريد اللعب به، والآن أنت حطمته، أنا لا أريد اللعب معك مرة أخرى.."
حزن علي جدا من كلام صلاح، فكيف يرفض اللعب معه وهما الصديقان اللذان لا يفترقان أبدا، ثم إنه فعلا لم يقصد أن يوقع القطار..
شعر علي بالغضب الشديد من صلاح على كلامه فخرج عائدا إلى منزله وقرر ألا يكلم صلاح مرة أخرى..
ومرت الأيام التالية على غير العادة، فكان كل منهما يذهب إلى المدرسة بمفرده ويتقابلان في المدرسة فلا يسلمان على بعضهما ولا يتحدثان، وعند العودة من المدرسة كان كل منهما يعود إلى منزله..
ولاحظت والدة صلاح ووالدة علي أن صلاح وعلي ليس على عادتهما سويا، فقررا أن يجمعاهما سويا ويبحثا معهما السبب.
وفي منزل علي جلست والدة صلاح ووالدة علي مع علي وصلاح وبدأت أم علي الحوار كالتالي: صلاح وعلي نحن نعرف أنكما صديقان حميمان منذ زمن طويل.. ونعلم أنكما لا تفترقان أبدا..
أكملت أم صلاح: ولكن في الفترة الأخيرة لاحظنا أنكما لستما كالأول، وأنكما لا تجتمعان كما كنتما تفعلان من قبل.
نظر صلاح وعلي إلى بعضهما ولم يجيبا بشيء فقالت أم علي: أخبراني ماذا حدث كي نحاول إصلاح الموقف..
رد علي: لا يمكن إصلاح الموقف، فصلاح لا يريدني أن ألعب معه أبدا..
دهشت الوالدتان للغاية وقالت أم صلاح: هذا مستحيل، صلاح لا يمكن أن يستغنى عنك أبدا، أليس كذلك يا صلاح؟
رد صلاح بغضب: ولكن يا أمي علي حطم قطاري الجديد..
قال علي: ولكني لم أقصد هذا أبدا..
قال صلاح: وماذا أفعل أنا؟ لقد تحطم القطار ولم يعد بإمكاني اللعب به، أنا لا أريد اللعب معك مرة أخرى ولا أريد أن أكلمك فأنت حطمت لعبتي الجميلة..
قال علي: أنا أيضا لا أريد أن ألعب معك أو أكلمك ثانية وإذا قابلتك فيما بعد أمام المنزل أو في المدرسة لن أسلم حتى عليك..
نظرت الوالدتان إلى بعضهما، وقالت أم صلاح لولدها: كيف يمكنك أن تتخلى عن صداقة دامت كل هذه السنين من أجل لعبة؟
قال صلاح: ولكنها لعبة جميلة يا أمي..
قالت أم صلاح: يا ولدي إن اللعب ليست أغلى وأهم من الناس، وخاصة الأصدقاء، فاللعب يمكن شراء غيرها، أما الأصدقاء فلا يمكن إبدالهم والحصول على مثلهم أبدا..
قالت أم علي: وهناك شئ هام وخطأ كبير وقعتما فيه أنتما الاثنين..
قال صلاح: وما الخطأ الذي وقعت فيه أنا، هو الذي كسر لعبتي..
قالت أم علي: أنتما الاثنان مخطئان في مقاطعتكما لبعض وعدم مكالمتكما لبعض، ألا تعرفان قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)..
قالت أم صلاح: صدق رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، ومعنى الحديث أنه لا يجوز للواحد أن يخاصم أخاه أو صديقه أكثر من ثلاثة أيام، ولا ينفع أن يتقابلا فلا يسلم أحدهما على الآخر، ومن يقطع هذا الخصام ويبدأ بالسلام على الآخر يكون هو الأفضل والأحسن..
وما أن سمع صلاح وعلي هذه الجملة حتى تسابق الاثنان في السلام على بعضهما البعض..
وضحكت الوالدتان وقالت أم علي: "معنى هذا أنكما قد تصالحتما؟"
رد صلاح: "ولن نتخاصم أبدا بعد ذلك بإذن الله"
قال علي: "لا يمكن أن نفترق عن بعض مرة أخرى"