بسـم الله الرحمن الرحيـم ..
الحمد لله والصـلاة والسـلام على أشرف خلق الله وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه بإحسانٍ إلى يوم الدين ، أما بعــد ...
روى أبي أيوب رضي الله عنه -كما عند الشيخين- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ ) .
قد يكون الحديث السابق حديث مُتكرر عند البعض وأصبح لا يُثير الإهتمام ، ولا يعني له شيء عملي!
ولكن لكِبار والعِظـام نظرُ آخـر لا يقتصر على العلم فقط والمعرفة ، بل إلى التطبيق والإلتزام ..
ومن أولئك العِظام الصحابيان الجليّـلان الحسين أبن علي بن أبي طالب ، ومحمد بن علي أبن أبي طالب ، فهما أخوان من الأب -رضوان الله عليهم أجميعن- ، والحسين بن علي غنّيٌ عن التعريف حيث هو سيد شباب أهل الجنة والشهيد المظلوم والشخص الذي نال شرف النسب بين القرابة والصحابة ، أما محمد بن الحنفية فهو أيضاً أبن علي أبن أبي طالب ، وكان علي بعد وفاة زوجته فاطمة -رضوان الله عليهم أجميعن- ، صاهر بن حنيفة وتزوج خولة بنت جعفر بن قيس الحنفيّة ، وأنجبت له ولداً ذكراً كان علي بن أبي طالب قد أستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُسمي على أسمه فسمح له رسول الله بذاك ووافقه ، فلذلك كان الأبن الجديد حاملاً لأسم محمد ، وكان يُعرف بـ"محمد ابن الحنفيّة" نُسبةً لأمهِ ، وكان رجلاً فقيهاً ذا ورع وزهد وعبادة وقيام ليل ، وكان فارساً يعتمد عليه أبيه في المهام والمعارك ، واشتهر بالشجاعة والبطولة ، وكان الناس يُفرقون بينه وبين أخويه الحسن والحسين ، وذت مرة قيل له من بعض الناس :
( ما لأبيك يُقحِمُكَ في المهالك ، ويُولجك في المضايق ؛ دون أخويك الحسن والحسين ؟! )
فقال ذلك لأن أخوي ينزلان من أبي منزِلة عينيه ... وأنزِلُ أنا منه منزِلة يديه ... فهو يقي عينيه بيديه ) .
فأنظر يا رعاك الله كيف كانت تقواه وسلامة صدره من الغِلِّ والحسد ..
فتعال لنرى ما حديث بينهم وكيف أثّر فيهم هذا الحديث .
القصة التي أُنزل لها هذا الموضوع ، هي ما جاء في كِتاب "الحلال والحرام في الإسلام" لكاتبه أحمد العساف ، وفي كتاب "في رحاب القرآن الكريم" لكاتبه عبدالعزيز المطوع أنه حدث فجـوة وقطيعة بين محمد بن الحنفية وأخيه الحسين بن علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم جميعاً ، فتفارقا مُتغاضبين ، فلمّا وصل محمد بن الحنفيّة إلى داره ، أخذ رُقعةً وكتب فيها كلاماً ثم أرسلها لأخيه الحسين بن علي ، فلما وصلت للُحسين فتحهـا فإذا بها مكتوب :
( بسم الله الرحمن الرحيم : من محمد بن علي بن أبي طالب إلى أخيه الحسين بن علي
بن أبي طالب، أما بعد : فإنَّ لك شرفا ً لا أبلغه ، وفضلا ً لا أدركه ، فإذا قرأت َ رقعتي هذه فالبس رداءك ونعليك ، وسـِـرْ إليَّ فترضـَّاني ، وإياكَ أن أكونَ سابقك إلى الفضل الذي أنت أولى به مني ، والسلام )
وفي صياغة أخرى :
( إنّ الله فضّلك عليَّ ، مك فاطمة بنت محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، وأُمّي امرأة من بني "حنيّفة"وجدُّك لأُمّك رسول الله ، وصفوةُ خلقه ، وجدّي لأُمّي جعفر بن قيس ، فإذا جاءك كتابي هذا ؛ فتعال إليّ وصالحني ، حتّى يكون لك الفضل عليّ في كل شيء )
وفي صياغة ثالثة :
( أخي الحسين :
أني نظرت فوجدت أنك خير مني , فأنت ابن فاطمة الزهراء بنت رسول الله فأمك خير من أمي ، وجدك رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من جدي , ولقد سمعت أبانا عليا رضي الله عنه يقول عن جدك رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام" ، واني أناشدك بالله أن تبدأ أنت حتى لآأكون خيرا منك ، والسلام )
فما إن قرأ الحسين الكِتـاب حتى لبس رداءه ونعليه وأبتدر إلى أخيه محمد ، فإلتقى به في منتصف الطريق، فتعانقا وبكيا وتصالحا وذهب ما بينهم من خصومة وجفوة .
قُلـت : سبحان الله ! كيف كانت قلوب أولئك القوم ؟! ، هل يا تُرى لو أرسلت لأحدهم تطلب منه أن يأتيك ويبتدر بمصالحتك حتى يحضى بالأجر ، سيأتي ويُصالحك ؟ ويُسرع ويترضّاك ؟ أم ستأخذه العِزة بالإثم ويُزمجر بصوته "أأنا آتيه؟ ، ومن هو حتى أتيه ؟ ، هذا على جثتي! " ..!
وإليكم يا أخوة :
إلى جميع إخواني الأعزاء في الشبكة ، لقد عرفتم عِظم قدركم عليّ ورفعتكم عنّي ، ففيكم الخير ومنّا السوء ، فإن وصلكم كلامي وفي قلبٍ أحدكم شائبة منّي ، فليأتنّي مُعتذراً إليّ ، فو الله لا يكون محمد بن الحنفية وحيداً في هذا ، وإياه ثم إياه ثم إياه أن أسبقه إلى ذلك ، فهو أحق بالخير منّي ، والسـلام .