يوما بعد آخر يكتشف العالم الجرائم التي ارتكبتها قوات الاحتلال الأمريكية في حق المدنيين العراقيين، ففي أعقاب فضيحة التعذيب في سجن أبوغريب، كشفت شبكة "سكاي نيوز" التلفزيونية البريطانية النقاب عن فضيحة جديدة تتعلق باستخدام قوات الاحتلال الأمريكية أسلحة محرمة دولية ضد المدنيين أثناء تنفيذها لعملية عسكرية ضخمة في مدينة الفلوجة بالعراق.
فقد أوضحت "سكاى نيوز" في تقرير لها تفاصيل فضيحة أمريكية جديدة بعد تزايد أعداد المواليد المشوهين في الفلوجة، التي كانت هدفا لأعنف عملية عسكرية أمريكية في العراق، وأكثرها سرية عام 2004. وقالت الشبكة: إن ارتفاع عدد الأطفال المشوهين في المدينة ربما يكون ناتجا عن استخدام قوات الاحتلال الأمريكية لأسلحة كيماوية أو فوق تقليدية عند اجتياحها للفلوجة قبل خمس سنوات.
وأضافت أن تحقيقا صحفيا أجرته قبل خمسة عشر شهرا أظهر تزايد عدد الأطفال الذين يُولدون مشوهين في الفلوجة، وقامت بإعداد ملف عن حالات الأطفال المشوّهين الذين ولدوا في المدينة خلال الأشهر الثمانية الماضية.
وأوضح التقرير أن هناك تنوعا في حالات التشوه عند الأطفال العراقيين، في إشارة إلى مدى تدهور الوضع الصحي الذي عاشته المدينة العراقية في أعقاب انتهاء العملية العسكرية الأمريكية. وأشارت إلى أن إصابات الأطفال شملت مشكلات عديدة، من بينها تشوهات في البطن وتشوهات في الوجه تسببت في وفاة الكثير منهم قبل بلوغهم سن الخامسة من العمر.
وكانت شبكة "راى" التلفزيونية الإيطالية قد بثت تقريرا وثائقيا في نوفمبر 2005، قالت فيه إن قوات الاحتلال الأمريكية في العراق استخدمت الفوسفور الأبيض المحرم دوليا ضد المدنيين في العراق، وبخاصة في الفلوجة.
وأظهر الشريط الوثائقي الذي بثته القناة الإيطالية مشاهد لجثث انتشلت بعد هجوم شنته قوات الاحتلال الأمريكية في نوفمبر 2004 في الفلوجة تثبت استخدام الفوسفور الأبيض ضد الرجال والنساء والأطفال الذين احترقت أجسادهم ولم يبق إلا العظم.
وبالعودة للتقرير البريطاني، قال جيف انجلهارت، وهو جندي في فرقة المشاة الأمريكية الأولى بالعراق، في الشريط: "أعرف أن الفوسفور الأبيض قد استخدم بالفعل"، وأضاف إنجلهارت، الذي أوضحت الشبكة أنه شارك في هجوم الفلوجة، أنه شاهد "جثثا محترقة، وأطفالا محترقين ونساء محترقات.. الفوسفور الأبيض يقتل بلا تمييز". ونقلت "سكاى نيوز" عن سكان الفلوجة رغبتهم فتح تحقيق مستقل حول الأضرار التي سببها استخدام الأسلحة الكيميائية، ومن بينها الفوسفور الأبيض.
ونسبت الشبكة البريطانية إلى أحمد عريبي، وهو طبيب عراقي، قوله: "إن عدد الأطفال الذي يولدون مشوهين ارتفع بشكل بارز خلال العام الماضي، ويريد سكان الفلوجة أن يعرفوا كم من الأطفال المشوهين سيولدون قبل أن يتم الإلتفات إلى هذه المشكلة".
وكانت قوات الاحتلال الأمريكية قد شكلت أكبر حشد لها منذ احتلال العراق لاجتياح الفلوجة في نوفمبر 2004 بعد أن نجحت جماعات المقاومة المسلحة في فرض سيطرتها على المدينة، وتمكنت من اختطاف وقتل أربعة جنود أمريكيين تابعين لشركة "بلاك ووتر" –سيئة السمعة- والتي أكدت تقارير لاحقة أنها كانت تقوم بعمليات قتل جماعي بحق المدنيين في العراق.
يذكر أنه في أثناء معركة الفلوجة، فرضت قوات الاحتلال الأمريكية حصارا إعلاميا وأمنيا شاملا على المدينة بعد سقوط أعداد هائلة من القتلى، ولم يتم الكشف عن طبيعة تلك المعارك ولا نوعية الأسلحة التي استخدامها الأمريكيون فيها حتى الآن.
التشوهات توقف الإنجاب بالفلوجة
الأصل في النساء أنهن يسعدن بالحمل وتتحرك فيهن عاطفة الأمومة ويشعرن بدورهن العظيم في دورة الحياة وتجددها، غير أن نساء مدينة الفلوجة في العراق أصبحن يشعرن بالهلع والخوف من الحمل والولادة، بل إن كثيرا منهن قررن إيقاف الإنجاب رحمة بأنفسهن وبمواليدهن.
وليست تكاليف الحياة وأعباؤها، ولا شظف المعيشة وغلاؤها، ما يجبرهن على هذا القرار، بل هي آثار الحرب الأميركية في العراق، وخصوصا معركة الفلوجة الثانية في نوفمبر/تشرين الثاني 2004، التي يؤكد خبراء في الصحة والبيئة أن الأسلحة المحرمة التي استعملت فيها أهلكت الحرث والنسل.
فمواليد الفلوجة بعد 2004 –حسب ما جاء في رسالة بعث بها أطباء ومهندسون وعلماء بيئة إلى الأمم المتحدة- أصبح أغلبهم يولدون بدون رؤوس أو برأسين أو بعين واحدة في وسط الجبهة، أو بأعضاء ناقصة، وأغلبهم يموتون بعد فترة قصيرة من ولادتهم، ومن يعش منهم تزيد عنده نسبة الأمراض السرطانية ومنها سرطان الدم (اللوكيميا).
نتائج مرعبة
وحسب الرسالة –التي تلقت الجزيرة نت نسخة منها- فإن شهر سبتمبر/أيلول 2009 شهد 170 حالة ولادة جديدة، 24% منها لأطفال ماتوا خلال أسبوع، و75% ولدوا بتشوهات خلقية.
وهي نتائج مرعبة –تضيف الرسالة- إذا ما قورنت بسجلات شهر أغسطس/آب 2002، التي وثقت 530 ولادة توفي منها ستة أطفال في الأسبوع الأول، وكانت بينها حالة تشوه واحدة فقط.
وتنقل الرسالة أيضا عن مسؤول بإحدى المقابر في الفلوجة أنه يدفن ما بين أربعة إلى خمسة أطفال كل يوم، معظمهم مصابون بتشوهات خلقية.
وبدورها تؤكد الناشطة الحقوقية أسماء الحيدري للجزيرة نت أنه قبل الغزو الأميركي كانت هذه الظاهرة نادرة في الفلوجة، وبعد 2004 أصبحت الولادات المشوهة تسجل بمعدل حالة أو أكثر في اليوم.
وفي السياق ذاته ذكر مصدر طبي في الفلوجة للجزيرة نت -طلب عدم الكشف عن اسمه- أن شهادات وفيات الأطفال المشوهين لا تذكر سبب الوفاة ولا تصف حالة الطفل المتوفى.
دعوة للتحقيق
الرسالة الموجهة إلى الأمم المتحدة تطالب بالتحقيق في هذه الظاهرة، وتشكيل لجنة محايدة تقوم بإجراء بحث كامل في مشكلة تزايد عدد التشوهات الخلقية وأمراض السرطان في العراق، وتقصي ما إن كانت هنالك جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية قد حدثت في الحرب الأميركية على هذا البلد.
ويؤكد رئيس لجنة الصحة والبيئة في مجلس محافظة الأنبار الدكتور طالب حماد في تصريح للجزيرة نت أن السبب الرئيسي للولادات المشوهة وهو إشعاعات اليورانيوم المنضب والفسفور الأبيض اللذين استعملتهما القوات الأميركية والبريطانية، مؤكدا أن هذا التأثير لا ينحصر في الفلوجة وحدها، بل وصل إلى عموم مناطق المحافظة.
أما عضو مجلس المحافظة سالم العيساوي فيقول للجزيرة نت إن المجلس الجديد الذي تسلم المسؤولية مطلع العام الحالي لم يجد أي تقرير أو وثائق عن هذه الظاهرة، وهو ما يعزوه المسؤولون السابقون في المحافظة إلى عدم توفر أجهزة ومختبرات لهذا الغرض.
وأضاف العيساوي أن المجلس يسعى الآن إلى جمع وتوثيق أدلة كافية لمطالبة المجتمع الدولي والحكومة العراقية بإيجاد سبل لعلاج هذه الظاهرة، آملا تعاون المجتمع الدولي ومنظمات المجتمع المدني في كافة أنحاء العالم للحد منها.