{ صُمْ صَومَ الفَطِنْ ، الذي صَوَّمَ باطِنَهُ عن الخواطر الدُنيَويّة واللِسان عن اللغو والثرثرة}
{إذا تَمّ الشّحْنُ بالطريقة الصحيحة لِمُدّة
ثلاثين يوما ، تكون صلاحية القلب 11 شهراً}
الحمد لله ، الحمد لله حمداً كثيرا طيبا
مباركا فيه ، حمدا وشكرا بِهِ نتملقه ونطمع في رضاه
وصلوات تترى على المبعوث بالهدى وسلام عليه وشوقا إليه ، ونرجو عند
الحوض لقاه .
وبعـد : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
قال ربّي " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا
كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ
" سورة البقـرة 183 .
فكم مِنْ رمضان صُمّناه ولا تقوى ؟!
لماذا نعود بعد رمضان كما كُنّا ، بل لِمَ نَفْتُرُ في بعض أيام
الشهـر (القليلة المباركة) ؟
ما الذي يجعـل صيامنا (أجوف) بلا روح !
من دمعت عيناه خشوعا لصيامه (لا لصلاته) ، وفاضت لحظة إفطار ؟!
فالصوم تقوى ، والتقوى زاد .. فـأين نحن من ذاك ؟!
ومن الذي حقًا يَشْحِنَ قَلْبَهُ بِزادِ عامِه في رمضان ؟ ألم يقل ربنا
جل وعلا " وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ
الزَّادِ التَّقْوَى " سورة البقرة 197 .
إنه مرض العادة وتحول (عباداتنا) إلى (عادات وممارسات خواء) لا معنى
لها في حياتنا !
فرمضان يعني الحرمان ، ولمن وعى هو ارتقاء وسمـو .. وإليكم التفصيل :
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الهويّـة :
التصور الشخصي لأيّ كيان ( معنى الشيء عندك أو هي الهدف والغاية) .
القيَم : الدوافع والبواعث ( أو الأمور
المهمة في حياتك ) .
القُدُرات : تنبع من القيم . فوزن الشيء
عندك وقيمته يمنحك القدرة على فعله .
السلوك : التصرف والأسلوب والوسيلة (
الأخلاق) .
البيئة : المحيط من حولك والجو العام
(الصحب والأهل .. ) .
مِثال : أن يشعر أحدنا (بقيمة) الحفاظ على
الجسد، فيقوم (سلوكيًّا) بتناول طعام صحي، فتتحقق (القدرة) في البقاء
حيًّا قويًّا، ويكتمل التطوير بأن تكون (البيئة) مساعدة .
من أين أتى الخلل :
إسلام الوراثـة (التقليد) ، فالذي يصوم لأنه نشأ وكل من حوله يصومون
صام مثلهم فصومه نتج أنه وجد في بيئة (مُسْلِمَةٍ وبالتالي تصوم) فصنع
مثلهم (السلوك) . فصار صومه عادة لا روح فيها .
العلاج :
أن تصل إلى (القدرة) ليس من خلال (البيئة والسلوك) بل من طريق (الهوية
والقيم) وهي علاقة متبادلة فانطلق من هويتك نحو البيئة لا العكس .
* رمضان هويَّـةً :
الرسالة : رمضان ، المُرْسِل : الله جلّ وعلا ، المرسل إليه :
الإنسان .
و (جلال الرسالة من جلال المُرْسِل)
أتدريّ من الله ! " ما السموات عند الكرسي إلا
كحلقة ملقاة بأرض فلاة وفضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على الحلقة
"
وَمَنِ الإنسان ؟! قبضة ونفخة ، جسد وروح .. ورسالة الصيام جوهرها
ارتقاء بالجانبين ..
كم من أُمَمٍّ اجتهدت للرقي بالجسد .. فسَعَتْ وشَقَتْ ، وأخرى تفننت
للرقي بالروح .. فسَعَتْ وشَقَتْ ! ولا أعلم
بالمخلوق مِنَ خالقِهِ .. من اتبع نهجه ، سعى وسَعِدْ .
لن تستطيع أن ترقى بشيء لم تسيطر عليه وتمسك بزمامه ، ومن هنا يتضح
معنى صائم الحرمان وصائم التُقى .
الصوم لغة : الإمساك و الحبس ، فالصوم
صبر والصبر حبس ، هو صبر على الطاعة
بمجاهدة النفس وإلزامها التعبد وصبرٌ عن المعاصي بمنعها من شهواتها
وحاجاتها .
فإن صُمْتَ بهذا المعنى والإحساس أنّك تحبس نفسك تمنعها تحجبها عن غضب
الله (وهذه التقوى) استطعت الرقي بها في رمضان وبعده فقد أحكمت الزمام
عليها .
إذاً : لنغير منظورنا لرمضان (هويّة
رمضان) فهو ليس حرمان وصنوف طعام وتقليد ، بل
حبس نفس وصبر وتدريب .. و تَقوى .
*
رمضان قيم :
على قدر (قيمته) في نفسك ستكون (قدرتك)
على تحقيق (هويّته)
هنا حيث يفيض الخطباء والكتّاب في سرد فضائل الشهر وعِظَمِه ، فبعد أن
تصحح منظورك الشخصي لرمضان .. تزود بالعلم ، العلم بفضائله وفرائضه
ونوافله وآدابـه .
بعد أن أصلحت المنطلق (الهوية) وتزودت ب
الدوافع ( القيم ) صُمّ
(القدرة) متقيدا بجوهر الصيام وآدابـه
(السلوك) واجتهد لتكون في
(البيئة) المناسبة مع صحبة تعينك ترقى
بها .. وترقى بِكْ "لعلكم تتقون" .
أما إذا اكتفيت بالسلوك الموروث عن البيئة .. لم ينتج الصيام الحقّ
" رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ورب قائم حظه من قيامه السهر "
فاللهم بلغنا رمضان وسلمنا له وسلمه لنا
واجعلنا فيه من المقبولين المتقين ، هذا وما كان من صواب فمن الله وحده
ذو الفضل والمِنّة ، وما كان من خطأ فمن نفسي والشيطان والله ورسوله
مِنْهُ براء . سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ،
والحمد لله رب العالمين .
أصل المادة : محاضرة لـ د. أسامة صالح حريري