ب - أنواع الشرك
الشرك نوعان :
النوع الأول : شرك
أكبر يُخرج من الملة ، ويخلَّدُ صاحبُهُ في النار ، إذا مات ولم يتب منه ،
وهو صرفُ شيء من أنواع العبادة لغير الله ، كدعاء غير الله ، والتقرب
بالذبائح والنذور لغير الله من القبور والجن والشياطين ، والخوف من الموتى
أو الجن أو الشياطين أن يضروه أو يُمرضوه ، ورجاء غير الله فيما لا يقدر
عليه إلا الله من قضاء الحاجات ، وتفريج الكُربات ، مما يُمارسُ الآن حولَ
الأضرحة المبنية على قبور الأولياء والصالحين ، قال تعالى : وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ
وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ
قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا
فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ .
والنوع الثاني : شرك
أصغر لا يخرج من الملة ؛ لكنه ينقص التوحيد ، وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر ،
وهو قسمان :
القسم الأول :
شرك ظاهر على اللسان والجوارح وهو : ألفاظ وأفعال ، فالألفاظ كالحلف بغير
الله ، قال - صلى الله عليه وسلم - : من حلف بغير
الله فقد كفر أو أشرك . وقول : ما شاء الله وشئت ، قال - صلى الله
عليه وسلم - : لما قال له رجل : ما شاء الله وشئت ، فقال : أجعلتني لله نِدًّا ؟ ! قُلْ : ما شاءَ الله وحده .
وقول : لولا الله وفلان ، والصوابُ أن يُقالَ : ما شاءَ الله ثُمَّ شاء
فلان ؛ ولولا الله ثمَّ فلان ، لأن ( ثم ) تفيدُ الترتيب مع التراخي ،
وتجعلُ مشيئة العبد تابعة لمشيئة الله ، كما قال تعالى : وَمَا تَشَاءُونَ
إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ .
وأما الواو :
فهي لمطلق الجمع والاشتراك ، لا تقتضي ترتيبًا ولا تعقيبًا ؛ ومثلُه قول :
ما لي إلا الله وأنت ، و : هذا من بركات الله وبركاتك .
وأما
الأفعال : فمثل لبس الحلقة والخيط لرفع البلاء أو دفعه ، ومثل تعليق
التمائم خوفًا من العين وغيرها ؛ إذا اعتقد أن هذه أسباب لرفع البلاء أو
دفعه ، فهذا شرك أصغر ؛ لأن الله لم يجعل هذه أسبابًا ، أما إن اعتقد أنها
تدفع أو ترفع البلاء بنفسها فهذا شرك أكبر لأنه تَعلَّق بغير الله .
القسم الثاني من الشرك الأصغر : شرك خفي وهو الشرك في الإرادات والنيات ، كالرياء والسمعة ،
كأن يعمل عملًا مما يتقرب به إلى الله ؛ يريد به ثناء الناس عليه ، كأن
يُحسن صلاته ، أو يتصدق ؛ لأجل أن يُمدح ويُثنى عليه ، أو يتلفظ بالذكر
ويحسن صوته بالتلاوة لأجل أن يسمعه الناس ، فيُثنوا عليه ويمدحوه . والرياء
إذا خالط العمل أبطله ، قال الله تعالى : فَمَنْ
كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا
يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا .
وقال النبي - صلى
الله عليه وسلم - : أخوفُ ما أخافُ عليكم الشرك
الأصغر ، قالوا : يا رسول الله ، وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء .
ومنه : العملُ لأجل الطمع الدنيوي ، كمن يحج أو يؤذن أو يؤم الناس
لأجل المال ، أو يتعلم العلم الشرعي ، أو يجاهد لأجل المال . قال النبي -
صلى الله عليه وسلم - : تَعِسَ عبدُ الدينار ،
وتَعِسَ عبد الدرهم ، تعس عبد الخميصة ، تعس عبد الخميلة ، إن أُعطي رضي ،
وإن لم يُعطَ سخط .
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - : (
وأما الشرك في الإرادات والنيات فذلك البحر الذي
لا ساحل له ، وقلَّ من ينجو منه . فمن أراد بعمله غير وجه الله ، ونوى
شيئًا غير التقرب إليه وطلب الجزاء منه ؛ فقد أشرك في نيته وإرادته ،
والإخلاص : أن يُخلصَ لله في أفعاله وأقواله ، وإرادته ونيته . وهذه هي
الحنيفية ملة إبراهيم التي أمر الله بها عباده كلهم ، ولا يُقبلُ من أحد
غيرها ، وهي حقيقة الإسلام ، كما قال تعالى : وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ .
وهي
ملَّةُ إبراهيمَ - عليه السلام - التي من رغب عنها فهو من أسفَهِ
السُّفهاء ) انتهى .
يتلخَّصُ مما مرّ أن هناك فروقًا بين الشرك
الأكبر والأصغر ، وهي :
1- الشرك الأكبر
يُخرج من الملة ، والشرك الأصغر لا يُخرج من الملة ، لكنه ينقص التوحيد .
2-
الشرك الأكبرُ يخلَّدُ صاحبه في النار ، والشرك الأصغر لا يُخلَّد صاحبُه
فيها إن دَخَلها .
3- الشركُ الأكبرُ يحبطُ جميعَ الأعمال ،
والشركُ الأصغرُ لا يُحبِطُ جميع الأعمال ، وإنما يُحبِطُ الرياءُ والعملُ
لأجل الدنيا العملَ الذي خالطاه فقط .
4- الشرك الأكبر يبيح الدم
والمال ، والشرك الأصغر لا يبيحهما .
موقع طريق التوبة
منقول