قال ابن عباس، وعبيدة السلماني، وأبو العالية، ومجاهد،
والسدي، وغير واحد من السلف: كان رجل في بني إسرائيل كثير المال، وكان
شيخًا كبيرًا وله بنو أخ، وكانوا يتمنون موته ليرثوه، فعمد أحدهم فقتله في
الليل، وطرحه في مجمع الطرق، ويقال: على باب رجل منهم، فلما أصبح الناس
اختصموا فيه، وجاء ابن أخيه فجعل يصرخ ويتظلم، فقالوا: ما لكم تختصمون ولا
تأتون نبي الله.
فجاء ابن أخيه، فشكى أمر عمه إلى رسول الله موسى عليه السلام، فقال موسى
عليه السلام: أنشد الله رجلًا عنده علم من أمر هذا القتيل إلا أعلمنا به،
فلم يكن عند أحد منهم علم منه، وسألوه أن يسأل في هذه القضية ربه عز وجل،
فسأل ربه عز وجل في ذلك، فأمره الله أن يأمرهم بذبح بقرة، فقال: { إِنَّ
اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا
هُزُوًا } يعنون نحن نسألك عن أمر هذا القتيل، وأنت تقول هذا؟
{ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ } أي: أعوذ
بالله أن أقول عنه غير ما أوحى إلي، وهذا هو الذي أجابني حين سألته عما
سألتموني عنه أن أسأله فيه.
قال ابن عباس، وعبيدة، ومجاهد، وعكرمة، والسدي، وأبو العالية، وغير
واحد: فلو أنهم عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها لحصل المقصود منها، ولكنهم شددوا
فشدد عليهم.
وقد ورد فيه حديث مرفوع، وفي إسناده ضعف، فسألوا عن صفتها، ثم عن لونها،
ثم عن سنها، فأجيبوا بما عز وجوده عليهم، وقد ذكرنا في تفسير ذلك كله في
التفسير.
والمقصود أنهم أمروا بذبح بقرة عوان: وهي الوسط بين النصف، الفارض: وهي
الكبيرة، والبكر: وهي الصغيرة. قاله: ابن عباس، ومجاهد، وأبو العالية،
وعكرمة، والحسن، وقتادة، وجماعة. ثم شددوا وضيقوا على أنفسهم فسألوا عن
لونها، فأمروا بصفراء فاقع لونها أي: مشرب بحمرة تسر الناظرين، وهذا اللون
عزيز.
ثم شددوا أيضًا، { قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا
هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ
لَمُهْتَدُونَ } ففي الحديث المرفوع الذي رواه ابن أبي حاتم، وابن مردويه:
« لولا أن بني إسرائيل استثنوا لما أعطوا ».
وفي صحته نظر، والله أعلم.
{ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ
الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا
الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ } وهذه
الصفات أضيق مما تقدم، حيث أمروا بذبح بقرة ليست بالذلول: وهي المذللة
بالحراثة، وسقى الأرض، بالسانية. مسلمة: وهي الصحيحة التي لا عيب فيها.
قاله: أبو العالية، وقتادة.
وقوله: { لَا شِيَةَ فِيهَا } أي: ليس فيها لون يخالف لونها، بل هي
مسلمة من العيوب، ومن مخالطة سائر الألوان غير لونها، فلما حددها بهذه
الصفات، وحصرها بهذه النعوت والأوصاف { قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ
}.
ويقال: إنهم لم يجدوا هذه البقرة بهذه الصفة إلا عند رجل منهم كان بارًا
بأبيه، فطلبوها منه فأبى عليهم، فأرغبوه في ثمنها حتى أعطوه فيما ذكر
السدي بوزنها ذهبا، فأبى عليهم حتى أعطوه بوزنها عشر مرات، فباعها منهم،
فأمرهم نبي الله موسى بذبحها { فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ }
أي: وهم يترددون في أمرها.
ثم أمرهم عن الله أن يضربوا ذلك القتيل ببعضها.
قيل: بلحم فخذها، وقيل: بالعظم الذي يلي الغضروف.
وقيل: بالبضعة التي بين الكتفين، فلما ضربوه ببعضها أحياه الله تعالى،
فقام وهو يشخب أوداجه، فسأله نبي الله من قتلك؟
قال: قتلني ابن أخي، ثم عاد ميتًا كما كان.
قال الله تعالى: { كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ
آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } أي: كما شاهدتم إحياء هذا القتيل عن
أمر الله له، كذلك أمره في سائر الموتى إذا شاء إحياءهم أحياهم في ساعة
واحدة، كما قال: { مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ
وَاحِدَةٍ... } الآية
[لقمان: 28]