بسم الله الرحمن الرحيم
عندما ماتت !
(قصة رمزية)
رغم لهيبِ الشمسِ الذي يُذيبُ الجلودَ ..
إلا أنَّها خرجتْ ـ كعادتِها ـ لتُنزِّهَ (حنانًا) !
سارتْ بقدميها الصغيرتين حاملةً (حنان) بين يديها ..
مَضَت بين سيارات حربية على جانبي الطريق ..
وجنودٍ مدجَّجِين بالسلاح ..
مرَّت تحت فوَّهات مدافع ..
وذئابٍ قد تلطَّخَتْ أنيابُها بدماء ذويها ..
ولكنها ..
(مَضَتْ) ..
حتى وصلت إلى ظلِّ شجرتها ..
جلست تحتها .. وأراحت (حنانًا) في حجرها ..
"أليس هذا هو المكان الذي تحبِّينه يا (حنان) ؟!"
لم تنتظر جوابًا .. فإن (حنانًا) لم تعُدْ تنطق منذ عام !
ضمَّتها إلى صدرها ضمَّة قوية ..
ثم أبعدتها وقد اغرورقت عيناها بالدموع ..
"كم افتقدتُك يا (حنان) !"
لم تنتظر جوابًا أيضًا ..
فلم يكن لدُمْيَتِها أن تتكلم !
سالت دموعها على وجنتيها الصغيرتين ..
حتى بلَّلت الدُمية ..
"إنهم يقولون أنك قد مِتِّ في حرب العام الماضي يا (حنان)
ولكنني لا أصدقُهم ..
أتذكرين يومَ كنَّا نلعب معًا ؟
أتذكرين يومَ كنا نخرج إلى هذه الشجرة ونتخيل أننا كبار ؟!
لقد قالوا لي أن أختي (حنان) قد ماتت في قصفٍ على مدرستها ..
في تلك الحرب التي مات فيها أبي ..
وما زلتُ لا أصدقُهم ..
ما زال صوتُها يرنُّ في أذني ..
ما زال أملي في أن ألقاكِ يا (حنان) .."
ظلَّت تلك النظرة الجامدة البلهاء على وجه الدمية (حنان) !
ظلت الفتاةُ ممسكةً بها تنظر إليها ..
ولكنها شعرتْ أن جمودَ عينيها قد طغى تلك المرة ..
"إلامَ تنظرين يا (حنان) ؟!"
التفتت حيث توجَّهت عينا (حنان) الجامدتان ..
"ما هذه الوحوش ؟!"
لم ترها من قبل ..
رأت آليات ضخمة تصبُّ (الفولاذ) ..
الغبار يتطاير حولها كغبار جحيمٍ مُحرقةٍ ..
وصوتُها يملأ الأجواءَ كضحكاتٍ شيطانيَّةٍ ساخرةٍ ..
ظلَّت الفتاةُ تنظر غير مصدِّقة ..
"ماذا يفعلون ؟!"
حجرٌ فوق حجرٍ ..
وكلما وضعوا حجرًا .. تحطَّم في قلبها أملٌ ..
كلما وضعوا حجرًا .. انفجر في صدرها بركان ..
كلما وضعوا حجرًا .. نطق لسانُ حالها بألفِ سؤالٍ ..
ولكنها أسئلةٌ عزَّت عن جوابٍ ..
انعقد لسانها .. وجفَّ دمعها ..
نظرت إلى (حنان) التي ما زالت شاخصة بنظرتها الجامدة ..
"هل صدقوا يا (حنان) ؟!"
قامت فجأةً ..
طرحَتْها أرضًا ..
وهَرْوَلتْ صارخةً :
"لقد مِتِّ يا (أختي) ..
لقد مِتِّ يا (حنان) .."
!!!