وجه مدفون بين كفين ملأى بالدموع.. قلب يرتجف كورقةٍ خريفية مآلها السقوط.. دموعٌ تنهمر بغزارة في صمت رهيب.. تنهار من مآقي عينيه كالسيول الجارفة مشبعة بمرارة مضنية.. آلام غائرة مستكنة في قرارة نفسه.. هموم وغموم رابضة على قلبه..! الليل يتأوه لحزنه.. لكربه.. موجاتٌ من الندم والحسرة تهدر أعماقه بل تمتد فتقبض أنفاسه..! كم عصفت به أعاصير الهوى فحرّكت مركبه حيث شاءت.. حيث العوج الخُلقي.. حيث السطو على العواطف.. حيث تلون القلب بالأقذار..!
كم انتابه ذاك السعار الملهوف.. وتلك الشهوات المجنونة فبصمت على قلبه آثارها.. كم مرةٍ خلع فيها خير لباس.. لباس التقوى، وتدثّر بذلك الثوب الخلِِق.. البالي.. القذر.. المزركش بتلك الخطايا..!
كم خطفته تلك النشوة المؤقتة إلى منزلقٍ خطير.. بل إلى منحدرٍ سحيق حيث التمرغ بأوحال الخطايا والآثام..!
هاهي مقابر الأحزان تلتف حول عنقه.. هاهو بين الحين والحين يحمل الأكفان المثقلة بأجساد الذكريات النتنة.. العفنة..
والآن..
أسئلة سوَّرت قلب ذلك العبد الفقير.. فتحت بوابة إلى مدخلٍ في ذاكرته.. مدخلٍ موحش تعلَّقت على جدرانه آثام..
قال لي: هل يغفر الله لي..؟!
قلت:{إن الله لا يغفر أن يُشْرَكَ به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء}.
قال: لكن ذنوبي عظيمة... كثيرة...
قلت:{أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السَّيئات}.
قال: والذكريات رابضةٌ..جاثمة على عقلي..رائحتها زكمت أنفي..ثقلها يقبض نفسي..؟
قلت:عليك أن تؤدي تلك الذكريات وتدفنها في مقبرة الاستغفار..وهي سجدات الأسحار..
قال:نعم..صدقت..سأتوشح بحسام التوبة وبرمح الأوبة..سأعمل تقطيعاً بتلك الذكريات التي تكبلني..سأمزقها إرباً إرباً..!
ثم استغرقت أرتل بخشوع:ْ{قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم}. عندها كغضبة الجمر في ليلة شاتية قارسة..امتلأ ثقةً ورجاءً بعفو الله..أصبح متفائلاً كالصباح..مؤملاً فرحاً بمغفرة المولى كعشبة برية تطرب لأنشودة المطر..غداً أكثر صبراً من الصبار على الآلام..!
ثم قال:حقّاً لن يمسح الجراح المنفتحة في زفة الأحزان سوى الإيمان بتبديل السيئات إلى حسنات والصبر خير ذخر..